السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنك تعملين طبعا على تنمية عقل طفلك وتطوير مهاراته الجسدية، ولكن ماذا عن عواطفه؟
أن تعلميه كيفية التعامل مع مشاعره وأحاسيسه ـ بدلا من التعثر بسببها ـ
يعتبر من أهم المهارات الحياتية التي يمكن تقديمها لطفلك، وحين تنجحين في أداء هذه المهمة سيتعلم
طفلك أنه لا عيب في إظهار أحاسيسه ومشاعره، أما إذا أديت المهمة كيفما اتفق فسيعمل طفلك على
كبت هذه المشاعر ودفنها فينشأ بشخصية غير سوية، غير ناجح في إقامة علاقات مع الآخرين.
إليك كيفية تجهيز طفلك بالمعدات التي يحتاجها لكي يتعامل بها مع مشاعره وعواطفه الآن وحتى يبلغ.
الغضب
تعرفين حالتك عند الغضب: تشعرين بدمك يغلي ـ بالمعنى الحرفي للكلمة ـ لأنك لا تسيطرين على الموقف.
أما بالنسبة إلى طفل صغير ـ وحتى بالنسبة إليك أحياناً فإن رد الفعل المتمثل في ضخ الدم وإنسداد
الحلق قد يسيطر كليا عليه بحيث تصبح الوسيلة الوحيدة للتغلب على مثل هذا الموقف هي الإنفجار.
هنا يصبح إيضاح تلك المشاعر للطفل بأسلوب بسيط وعبارات واضحة أمراً مريحاً يساعده على تتبع جذور
وأسباب الغضب فيسهل عليه التعامل معه والسيطرة عليه،
قد يصعب تنفيذ هذه الخطوات في ذروة الغضب حيث تميلين إلى العمل على تقليل غضب طفلك.
فإذا غضب طفلك لأن أخاه أخذ لعبته وكسرها تصيحي به إنها مجرد لعبة سخيفة لديك عشر غيرها
لأن رد الفعل هذا قد يحبطه أكثر وأكثر لأنه لن يستطيع التعامل مع حالة الغضب تلك إلا بمساعدتك
فهدئي الأجواء أولا، واعترفي بأحاسيسه وتعرفي عليها.
الحزن
قد ترغبين فورا في ازاحة مشاعر الحزن عن طفلك، ولا ننصحك بهذا فعليك أن تتركيه يحدد الوقت الذي يكون
فيه مستعدا للنظر إلى الجانب المشرق للأشياء، أما إستعجال طفلك ودفعه والإلحاح عليه لكي تتحسن
حالته فسيشعره بأنك غير مرتاحة بسبب حزنه، وبمرور الوقت سيتفاقم الأمر فيشعر أن الحزن عيب لا يجب
أن يمارسه، إذاً فهو شخص غير طبيعي.
قومي بدلا من ذلك بالتحدث معه حول أسباب حزنه
'هيا لنتناول الآيس كريم ثم يمكننا بعد ذلك التحدث فيما يحزنك'،
وفي النهاية عليك أن تشجعي طفلك لكي 'يفعل شيئا' في مواجهة هذا الحزن.
واحذري عند التعامل مع الأطفال من الأولاد أن تعيريهم بدموعهم، فكثير من الآباء والأمهات يضغطون على
الأولاد ظنا منهم بأن البنت فقط هي التي تبكي مما يحد من نمو مشاعر التعاطف بداخلهم.
الغيرة
هل يرغب طفلك بما يمتلكه الآخرون: لعبة حديثة أو علامة مرتفعة في مادة الحساب أو صوت جميل يغني
مثله، كل هذه أمور طبيعية، ولكنها مشاعر تحير الأطفال جدا حيث لا يفهمون سبب عدم الاستقرار الذي
يعتريهم حين يرون شيئا يريدونه ولكنهم لا يستطيعون الحصول عليه، وبدلا من الإشارة إلى أمر واضح تماما
بالنسبة إليك: 'يمكنك من آن الى آخر ان تحتل المرتبة الثانية'، أو 'الكعكة، الكعكة نفسها ولكن المختلف هو
لون الكريما التي تغطيها'، تعاطفي مع طفلك حتى يعرف أنك تفهمينه.
أما الأطفال الأصغر فانطقي بمشاعرهم ـ ضعيها في عبارات ـ 'لعلك تشعر بالغيرة لحصول أختك على كل
هذه الهدايا'، وشجعي الأطفال الأكبر لكي يتحدثوا عن مشاعر الحسد التي تعتريهم، ولا تلجئي إلى التقليل
من شأن الشيء الذي يرغبون فيه لكي تهوني عليهم كأن تقولي لإبنتك التي غارت من فوز صديقتها بجائزة
في الرسم 'لقد نالت الجائزة لأنها ترسم بمهارة والرسم ليس مهما هذه الأيام'،
بل قوليإن لكل انسان موهبة ما يتمتع بها تختلف عن الآخرين، ثم اشيري الى فخرك بالأشياء التي تحب
إبنتك أن تفعلها.
أما بالنسبة إلى الرغبات المادية فاشرحي الأسباب التي تمنع طفلك من إمتلاك ما يتوق إليه مثلا
"عمرك لا يتناسب مع ركوب لوح التسلق" فالمنطق يكفي في كثير من الأحوال لكي يتغلب الطفل على
مشاعر الغيرة، وسيتعلم كيف يقيس رغباته فيما بعد، وفقا لما هو منطقي ومقبول.
السعادة
ما مشكلة الطفل الذي يشعر بالسعادة طوال الوقت؟
لا توجد مشكلة على الإطلاق، ولكن كما في الإنفعالات العاطفية الأخرى، قد يحتاج طفلك إلى تسيير في
القنوات المناسبة واللائقة. فقد يشعر الطفل بالسعادة إلى درجة تدفعه إلى الصراخ أو الجري أو إلى
سلوكيات خارجة عن السيطرة، وقد يكون هذا مقبولا داخل المنزل، ولكن ليس في المكتبة مثلا
أو في منزل الجدة أثناء وليمة هادئة.
وحين يحدث ذلك تنحي جانبا مع ولدك من دون لفت الأنظار، واخبريه بأنك سعيدة لسعادته، ولكن حان الوقت
ليتصرف بهدوء أو يقرأ كتابا أو يرسم، لكن لا توبخيه بحيث يربط بين هذه المشاعر وبين الخجل والإحراج.
ولكن أحيانا لا يستطيع الطفل السيطرة على فرحه.
إذا فاز في اللعب مثلا فمن حقه أن يعبر بطريقته من دون أن يشعر الطرف الآخر بأنه فاشل ومهزوم
فالفرح ليس عيبا ولكن عدم الإحساس بمشاعر الآخرين هو العيب.
وحين يجرح هذا الفرح المفعم بالتباهي شخصا آخر، فعليك أن تنبهي طفلك "جميل ان تحرز نقاطا
تؤهلك للفوز' ولكن لا تنسي ان تهنئ المنافس على ما بذله من جهد"
الخوف
قد تندهشين حين يرغب طفلك في ترك حصة السباحة على الرغم من حبه للماء، ولكن عند مناقشة
الطفل قد يكشف لك عن خوفه من أن يتركه المدرب تحت الماء ولا ينقذه في الوقت المناسب.
وسواء كانت أسباب خوف الطفل منطقية ـ كأن يغرق أو يعضه كلب ـ أو خيالية، بأن هناك وحشا مخيفا يقبع
تحت السرير، فان أول قاعدة لطمأنته تكون باحترام خوفه. فكل مخاوف طفلك حقيقية بالنسبة إليه على
الأقل، ثم عديه بعد ذلك بأن تحافظي على سلامته. واظهري له فعلا لا مجرد قول.
أما بالنسبة إلى الخوف من مدرب السباحة فقولي لإبنك أنك ستطلبين منه ألا يقذف بالإبن داخل الماء
وسيتحسن شعوره فورا.
لا تقولي للطفل أبدا أن خوفه مجرد سذاجة، فعدم التعامل مع مصدر الخوف قد يجعله يطول ويرسخ في
نفسه ويصعب التخلص منه.
إن احتواء الخوف يعني الشعور بالقدرة على التصرف، فقومي بتقديم طفلك ببطء إلى مسببات خوفه واشيري
من طرف خفي إلى مميزات هذا الشيء, وامنحي طفلك زجاجة رشاشة مكتوب عليها قاهر الوحوش لكي
يرش بها أسفل سريره ليلا.
التعامل مع الخوف ـ والمشاعر الأخرى ـ ليس سهلا في معظم الأحوال، ولكن
مساعدة طفلك لاكتساب مهارات تمكنه من التغلب على الصعوبات التي سيواجهها في
حياته أمر سهل يمكن انجازه.